تراب المقابر

كيفية صنع نترات البوتاسيوم فى المنزل هو أن تبدأ بمادة غنية بالمواد العضوية المتحللة مثل تراب المقابر، امزجها مع رماد الخشب المحترق. أضف الماء، بعد ذلك قم بالتقطير والغليان ثم أضف الكحول لفصل بلورات نترات البوتاسيوم. أضف المواد بنسب أكثر أو أقل وستذوب البلورات قبل أن تتكون. الشيطان فى التفاصيل. لهذا انجذب للكيمياء منذ صغره؛ التوازن هو كلمة السر. من نترات البوتاسيوم يمكنك الحصول على حامض النيتريك أو البارود. لا توجد معجزات فى الكيمياء، ولكن عندما تخبر هؤلاء المقاتلين المتحمسين؛ الذين يريدون التمسك بأي شيء يعطي معنى أعمق لأعمالهم؛ أن أجدادهم سيبعثون من الموت ليقاتلوا معهم التتار الجدد. عندها يصبح الأمر مثيراً للاهتمام.

 

في وقتٍ أسرع من الوقت الذي يستغرقه ازدحام الأطفال حول بائع مرطبات فى يوم صيفى حار؛ كان قبو خالد قد امتلأ عن آخره بأكوامٍ من التراب الذي جمعه المقاتلون من مقبرة المدينة ورفات أسلافهم. "ربما كان عليّ أن أغلق فمي". قالها خالد لنفسه وهو ينظر إلى الفوضى المتعفنة الملقاة في ما كان في يومٍ من الأيام معملاً منظمًا. كل كومة عليها أسماء البشر الذين تحولت أجسادهم إلى غبار. عشرات البشر الذي كان لديهم في يومٍ من الأيام أحلام وتحيزات ومخاوف. كلهم يرقدون الآن أمامه في أبسط صور الحياة، ينتظرون دورهم لكي يتم إعادة تدويرهم. من التراب وإلى التراب ومن الرماد وإلى الرماد.

 

يأتي أبو حارث لمشاهدة تجربة البعث من الموت. إنه يريد عبوته الناسفة الجديدة بنكهة جده. يجلس على كرسي في الجانب المظلم من المختبر ويشعل سيجاره متجاهلاً نظرات وجه خالد التى تحمل ترجمة معنى “ممنوع التدخين هنا". أخبره أبوحارث أن يسترخى وأن يكون لديه إيمان. كل شخص لديه ميعاد للموت.


بينما كان يقوم بإضافة مقادير متساوية من تراب البشر ورماد الشجر إلى الفلتر، ردَ خالد دون النظر إليه قائلا:

 

- هذا صحيح. من السهل أن تعيش بحرية بعيدا عن تحمل المسؤولية عندما تعلق جميع أفعالك على أكتاف الله المتكدسة. لم يكن ذلك فعلي، بل كانت إرادة الله. نحن خارج المعادلة.

 

يضيف خالد الماء تدريجياً لتقطير المكونات ويقول:

 

- لنفترض فقط أن جدك الكبيرلا يريد أن يُزعج. ألست تخضعه لاختيارك  هكذا وتجبره على القيام بما تريد؟ 

يأخذ خالد المحلول المقطر ويبدأ بغليه تدريجياً على الماء قائلاً: 

- هل تعتقد أن الله سيكافئه بالحسنات على هذا العمل رغم عدم اتخاذه قرار فيه؟

 

أبوحارث ما زال جالسا على كرسيه، يبتسم ويستمتع بما تبقى من سيجارته.


يقوم خالد بكشط حبيبات الملح والشوائب التي تظهر مع الرغوة ويقول:

 

- كيف ندعي أننا قررنا القيام بأي شيء إذا كانت إرادة الله نافذة في المقام الأول فى كل مانفعله؟

 

تنتشر في القبو رائحة دخان لاذع كما لو أن جيشًا بأكمله قد أخرج ريحًا. يضيء خالد شمعة منزلية الصنع ذات دخان أصفر اللون لا تحسن الرائحة كثيرا.

 

يأخذ خالد السائل المتبقي ويضيف إليه الكحول ويشاهد البلورات البيضاء تولد في السائل مثل النجوم الصغيرة. ثم يقول:

 

- من الغريب أن البشر يضيعون أهم هدية منحها الله لهم. أليست حرية الاختيار ما يجعلنا بشرًا؟

 

ينظر خالد أخيرا إلى أبوحارث بينما الدخان الأصفر يصل إليه وفي لحظة يشتعل خط من النار بين سيجارة عدنان وبين الشمعة فى شكل ابتسامة كبيرة. يقع أبوحارث إلى الوراء من على كرسيه وهو يرمي السيجارة في ذعر  ويسعل بشدة. رائحة الكبريت تملأ المكان. خالد يقول:

 

 - فقط جعلت الأمور أسهل بالنسبة لك؛ بما أنك لا تستطيع اتخاذ القرار.

 

أخيرا يقوم بتقطير البلورات البيضاء من خلال ورقة ترشيح، ويعطيها إلى أبوحارث الذي بدا من منظر شعره المنكوش لأعلى  كمن صعقه البرق. يسلم له خالد البلورات وهو يقول بنفس الصوت الهادئ وبوجه بدون تعبيرات:

 

- إليك جدك. فقط لا تشعل السجائر مرة أخرى في مختبرى.

 

Previous
Previous

Top neo-noir books I read last year(ish)

Next
Next

Desert Ambush